الإعادة المتباعدة – هكّر عقلك للحفظ طويل الأمد وإلغاء مشكلة نسيان المعلومات

0
الإعادة المتباعدة

إن التعلم هو عملية طبيعية نقوم بها جميعاً منذ الولادة، بعضنا لديه سرعة كبيرة في التعلم والآخر لديه استيعاب لأصعب الأفكار، وهناك آخر بطيء في التعلم. ولكن مهما كانت سرعتك أو استيعابك في تعلم مختلف الأفكار والعلوم، جميعنا نعاني من مشكلة واحدة وهي نسيان ما تعلمناه، فما الحل لهذه المشكلة؟ إن حلها بسيط يدعى الإعادة المتباعدة.

هل تصدق إن أخبرتك أن كل ما تعلمناه في المدرسة تعلمناه بطريقة غير فعالة؟

ستوافقني الرأي بقراءة هذه المقالة إلى نهايتها وسترى أن المدارس لو طبقت هذه التقنية في التعليم، لأصبح طلابنا أكثر ذكاءً وزادت قدرتهم على تذكر المعلومات لمدة أطول بكثير.

إن تقنية الدراسة المتباعدة هي طريقك لحفظ المعلومات لسنوات عديدة دون أن تنساها، وهي ستساعدك في التعلم إذا كنت كبيراً في السن. وسنغوص في هذه المقالة لنستكشف هذه التقنية البسيطة والفعالة للغاية ومدى تأثيرها الفعلي على حفظ المعلومات للمدى الطويل.

ما هي تقنية الإعادة المتباعدة؟

إن تقنية الإعادة المتباعدة هي أحد تقنيات تعلم المعلومات بشكل فعال لفترات طويلة من الزمن دون نسيانها وهي بالإنكليزية تدعى Spaced Repetition. بدأ استخدام هذه التقنية منذ عدة سنوات، خاصة بعد ظهور تكنولوجيا التعلم عبر الموبايل والتطبيقات التي تعتمد على هذه التقنية في تعليم الطلاب لغات أو معلومات أو أي أفكار أخرى يريد الطالب أن يتعلمها.

تقوم تقنية الإعادة المتباعدة على تعلم وحفظ المعلومات التي تريدها عبر إعادتها خلال فترة زمنية متزايدة. حيث تقوم التقنية على زيادة التباعد الزمني للمعلومات التي حفظها الطالب بالفعل. وعلى الطرف الآخر، تقوم بإنقاص فترة الإعادة والتكرار للمعلومات التي يعاني الطالب من صعوبة في حفظها.

كيف تعمل هذه التقنية؟

فكر في الدماغ على أنه عضلة، ولكي تقوي أي عضلة عليك أن تدربها لتتحمل المزيد وتزيد من قوتها مع الوقت. مثلاً إذا ذهبت إلى الـ Gym لن تقوم في البداية بحمل 100 كغ من الوزن، وإنما هذا يأتي مع الزمن حيث ستبدأ بـ 5 كغ وتزيد الوزن مع الوقت ومع زيادة قوة عضلاتك.

زيادة الأوزان مع الوقت والتدريب ستقوي العضلات، والدماغ البشري يعمل بنفس الأسلوب. فالدماغ البشري يعمل على تذكر المزيد من المعلومات في حال استخدام هذه المعلومات على المدى الطويل، أي تدريب العضلات المسؤولة عن هذه المعلومات لتصبح أقوى في تذكر المعلومة.

حيث تعتمد تقنية الإعادة المتباعدة على إعادة المعلومات قبل أن ينساها الطالب وفي نفس الوقت زيادة المدة الزمنية بين فترات الإعادة حتى يتم تخزين هذه المعلومات في ذاكرة الدماغ الطويلة الأمد.

من أين أتت فكرة تقنية الإعادة المتباعدة؟

لكي نحافظ على المعلومات في عقولنا، علينا أن نستذكر هذه المعلومات بشكل دوري وإلا سنبدأ بنسيان أجزاء منها إلى أن نصل لنسيان المعلومة بالكامل.

لنذكر مثال ” إن مدينة بيرن هي عاصمة سويسرا” إن كنت لا تعرف هذه المعلومة من قبل، فأنت ستنساها مع إنهائك لقراءة هذه المقالة وربما قبل، أليس كذلك؟. ولكن إذا تابعت بعد هذه المقالة القراءة عن سويسرا ومدنها ستجد أن مثل هذه المعلومة ستبقى في عقلك لفترة أطول وأيضاً ستتمكن من تذكرها خلال مدة أقصر.

ما أريد أن أوضحه لك هو التالي: “كلما مرت عليك المعلومة أكثر واستخدمتها أكثر وفكرت فيها أكثر، لن تحتاج إلى دراستها من جديد أو استذكارها”.

قد تظن أن النسيان ربما هو مشكلة في عقولنا، ولكن هو نعمة من رب العالمين لكي ننسى الذكريات المؤلمة وننسى المعلومات غير المهمة وغيرها، وفي نفس الوقت يؤثر على المعلومات المهمة وعلينا تدارك ذلك بالنسبة للمعلومات التي نريد الاحتفاظ بها لسنوات طويلة.

لذلك لتخطي مشكلة النسيان هذه، ظهرت تقنية الإعادة المتباعدة لنحسن من قدرة عقولنا على حفظ المعلومات لفترات طويلة من الزمن.

كيف يعمل النسيان في العقل البشري؟

النسيان في العقل البشري

إن الدماغ البشري يمتلك نوعين من الذاكرة وهما “الذاكرة قصيرة الأمد” والثاني “الذاكرة طويلة الأمد”

إن الدماغ البشري يحتاج إلى وقت ليتمكن من استيعاب المعلومات الجديدة ومعالجتها ونقلها من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.

أظهرت الأبحاث العلمية أن الدماغ يقوم في البداية بتخزين المعلومات في الذاكرة قصيرة الأمد، حيث سينسى الدماغ هذه المعلومات خلال مدة قصيرة تتراوح بين عدة ساعات إلى عدة أيام حسب طبيعة هذه المعلومات. ولكي يقوم الدماغ بنقلها إلى الذاكرة طويلة الأمد على الطالب أن يعيد هذه المعلومات ويمر عليها عدة مرات ليقوم الدماغ بعملية النقل.

وذلك لأن الدماغ يحتاج إلى وقت ليبني الراوبط العصبية حول هذه المعلومات الجديدة لتقوية قدرة الطالب على تذكرها. وفي نفس الوقت عدم زيارة هذه المنطقة من الدماغ وتذكر المعلومات ستجعل النسيان يتدخل وتبدأ الروابط العصبية تضعف.

باستخدام تقنية الإعادة المتباعدة أنت تعود لزيارة هذه المناطق من الدماغ وتقوي الروابط العصبية مرة أخرى، لكي لا يأتي النسيان ليضعف الروابط هذه وتنسى المعلومات.

هل تقنية الإعادة المتباعدة فعالة؟

طبعاً، وهي فعالة للغاية وستستفيد من استخدامها في دراستك. ولأبرهن لك ذلك، لنعد إلى الفقرة التي تحدثنا فيها كيف أن نظام التعليم في المدارس غير فعال. إن التعلم في المدراس غير فعال مقارنةً بالنتائج التي ستحصل عليها باستخدام هذه الطريقة.

أغلبنا لن يتذكر ما درسه في المدرسة إلا معلومات متفرقة وبسيطة، وحتى إن كنت قد أنهيت الثانوية العامة من سنة واحدة ستجد صعوبة في تذكر هذه المعلومات.

هناك عدة عوامل تؤثر في احتفاظنا وتذكرنا للمعلومات وهي:

  1. ما هي كمية المعلومات التي نريد تذكرها.
  2. وكمية الجهد الذي نبذله لتعلم وحفظ هذه المعلومات.

بالعودة إلى مثال المدرسة، نجد أن كمية المعلومات التي يجب أن نحفظها ونتذكرها كبير وليس بالعبء الخفيف ولكن أغلبنا يستطيع أن يحفظها كلها.

ولكن المشكلة هي في العامل الثاني. فنحن في المدرسة بحاجة إلى تذكر هذه المعلومات فقط للامتحانات والاختبارات ضمن العام الدراسي وهذا يجعل نسيانها سريع لعدم استخدامها أو تكرارها في المستقبل.

وهنا لاحظ أن المدرسة تعلمنا بهدف النجاح في الامتحانات، وليس الهدف التعلم الفعلي والاحتفاظ بالمعلومات على المدى الطويل.

بينما في تقنية الإعادة المتباعدة، ستجد أنك تحافظ على هذه المعلومات في عقلك على المدى الطويل، نتيجة التكرار المدروس والطريقة الصحيحة في الدراسة والتذكر. ولهذا أثبتت هذه الطريقة فاعليتها لدى الأشخاص الراغبين في تعلم المعلومات على المدى الطويل.

مثال عملي لتقنية الإعادة المتباعدة

لنقل مثلاً أنك تتعلم لغة جديدة، وتريد أن تتعلم كلمة جديدة، ستدرس هذه الكلمة في 10 صباحاً ومن ثم تعيدها في الساعة 2 ظهراً وبالتالي تحصل على فرصة لدراسة نفس الكلمة قبل أن يأتي النسيان. ومن ثم مرة أخرى في 10 مساءً أي بعد حوالي 8 ساعات، ومن ثم تعيدها في اليوم التالي بعد 12 ساعة.

قد تجد هذا صعباً أو ربما غريباً في إعادة نفس المعلومات خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، ولكن كل ذلك مصمم خصيصاً لتقوية الذاكرة. وبعد ذلك ستزيد مدة فترة الإعادة لتصبح بعد 24 ساعة ومن ثم 48، وبعدها تنتقل إلى أسبوع ومن ثم 30 يوم ومن ثم 90 يوم، ومن ثم تنتقل إلى النصف سنة. هذه الطريقة مصممة لمواجهة منحني النسيان والذي يدعى بـ Ebbinghaus Forgetting Curve.

التطبيق العملي لتقنية الإعادة المتباعدة في الدراسة

يمكن أن نبسط طريقة الإعادة المتباعدة، بدلاً من جدول دراسي معقد نظراً لكثرة المعلومات أثناء الدراسة في المدرسة أو الجامعة، بحيث يسهل عليك تطبيقها بشكل عملي أثناء الدراسة من خلال الخطوات الأربعة التالية:

1. مراجعة الملاحظات والملخص:

بعد دراسة المعلومات للمرة الأولى، تأكد أن تكتب ملاحظات ورؤوس أقلام والمعلومات المهمة أيضاً. ومن ثم راجعها خلال فترة 20 -24 ساعة، خلال جلسة مراجعة المعلومات، إقرأ الملخص والملاحظات، ومن ثم حاول أن تعيد كل ما قرأته دون أن تنظر للملاحظات.

2. مراجعة المعلومات كاملةً للمرة الأولى:

بعد يوم واحد من مراجعة الملاحظات، حاول أن تتذكر المعلومات دون أن تقرأ الملاحظات كثيراً ودون أن تعود إلى الكتاب أو المحاضرة كثيراً، وحاول أن تتذكر المعلومات وأنت تمشي أو تجلس أو مسترخي، تغيير وضعية الدراسة مهم في هذه الفترة.

3. مراجعة المعلومات مرة ثانية:

بعد أن تنهي الخطوة الثانية حاول أن تعيد دراسة المعلومات كل 24 – 36 ساعة لعدة أيام، وفي أغلب الوقت لن تتطلب منك وقتاً طويلاً لأنك بالفعل حفظتها وما تقوم به هو تقوية الروابط العصبية حول هذه المعلومات مرة أخرى. وحاول أن تستذكر جميع المعلومات دون أن تنظر إلى الملاحظات أو الكتاب.

خلال فترة الإعادة هذه حاول أن تسأل نفسك أسئلة حول ما درسته وتختبر معلوماتك وفهمك لكامل المحتوى.

4. الدراسة من جديد:

بعد أن تمضي عدة أيام من الإعادة السابقة، أعد دراسة كامل المعلومات من جديد. إن كانت هذه المعلومات لامتحان، تأكد أن تدرس هذه المعلومات خلال فترة أسبوع قبل الامتحان، لتعطي عقلك فترة كافية لمعالجة هذه المعلومات بالشكل الصحيح.

ملاحظة:

يمكنك أن تستخدم أيضاً بطاقات ورقية Flash cards وذلك بوضع سؤال على أحد وجوه البطاقة والجواب على الوجه المقابل خلال المراحل الأربعة السابقة التي ذكرناها في الأعلى.

تطبيق الإعادة المتباعدة للنجاح في الامتحانات

حسب موعد الاختبار قمنا بوضع الجدول التالي لمساعدتك في تطبيق تقنية الإعادة المتباعدة في التحضير الفعال للامتحانات:

الوقت المتبقي للامتحانالمسافة بين كل مراجعة
أسبوع واحد1 – 2 يوم
شهر واحدأسبوع واحد
3 أشهرأسبوعين
6 أشهر3 أسابيع
سنة واحدةشهر واحد

على سبيل المثال، إن امتحانك بعد أسبوع تماماً من اليوم، ستدرس له اليوم ومن ثم تعيد المعلومات غداً أو في اليوم الذي يليه، وأنصحك أن تضع جلسة إعادة في اليوم الذي يسبق يوم الامتحان.

خاتمة حول تقنية الإعادة المتباعدة

إن تقنية الإعادة المتباعدة بسيطة، ولكنها فعالة للغاية في تهكير طريقة عمل أدمغتنا، وهي تدفع الدماغ للإستجابة لمرات الإعادة هذه بتقوية الروابط بين الخلايا العصبية، وبالتالي حفظ المعلومات لفترة أطول.

إن تقنية الإعادة المتباعدة بلا شك أفضل بكثير من حشر المعلومات في العقل البشري خلال جلسة دراسية واحدة. وقد يكون هناك صعوبة كبيرة إن كنت ستقوم باستخدام هذه التقنية يدوياً. ولحسن الحظ هناك الكثير من البرامج حالياً التي تساعدك على استخدام هذه التقنية. حيث يقوم البرنامج بمراقبة أجوبتك ويحافظ على ذاكرتك نشيطة وقوية ضمن مجال المعلومات التي تريدها. مثل SuperMemo و Anki وهناك تطبيق يدعم تقنية مشابهة وهو تطبيق Cram.

تابع مقالتنا أيضاً عن زيادة التركيز أثناء الدراسة للحصول على نتائج دراسية أفضل هنا.

شكراً لقراءتك هذه المقالة، ولمزيد من المعلومات انضم إلى متابعي صفحتنا على الفيسبوك هنا، وعلى تيليغرام هنا.

Leave A Reply

Your email address will not be published.